الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» **
بعد الغروب وقبض منه خمسين كيسًا وقيل ثمانين ورجع إلى معسكره فجمع العسكر وتكلم معهم وفرق عليهم الدراهم واتفق معهم على الركوب والهجوم علي من بطرا في تلك الليلة على حين غفلة وكان كاتبهم قبل ذلك يلاطفهم ويظهر العجز ويطلب معهم الصلح وأمثال ذلك وفي ظن أولئك صدقه وعدم قدرتهم على مقاومتهم وملاقاتهم فلما مضى نحو خمس ساعات من الليل ركب محمد علي في نحو أربعة آلاف فراسانًا ورجالًا فلما قربوا من الحرس في آخر السادسة ترجلوا وقسموا أنفسهم ثلاثة طوابير ذهب قسم منهم جهة الدير والثاني جهة المتاريس والثالث جهة الخيل والجماعة وهم صالح بك الألفي ومن معه في غفلتهم ونومهم مطمئنين وكذلك حرسهم فلم يشعروا إلا وقد صدموهم فاستيقظ القوم وبادروا إلى الهرب والنجاة فملكوا منهم الدير وأبراج طرا وكان بها عسكر العثمانيين إلى هذا الوقت محصورين وقد أشرفوا على طلب الأمان وأخذوا مدفعين كانا بالمتراس وبعض أمتعة وثمان هجن وثلاثة عشر فرسًا وقتل بينهم بعض أشخاص وانجرح كذلك ورجع محمد علي والعسكر على الفور من آخر الليل ومعه خمسة رؤوس فيها رأس واحدة لم يعلم رأس من هي والباقي رؤوس عربان أو سياس أو غير ذلك وزعموا أن تلك الرأس هي رأس صالح بك وأرسلوا المبشرين آخر الليل إلى الأعيان ليأخذوا البقاشيش وأشاعوا أنهم قبضوا على الألفي الصغير وأحضروه معهم حيًا والباقي رموا بأنفسهم إلى البحر ولما طلع محمد علي إلى الباشا خلع عليه الفروة التي حضرت هل من الدولة وعلقوا تلك الرؤوس على السبيل بالرميلة وضربوا شنكا من القلعة ومدافع وأظهروا السرور وداروا بالأسواق يضربون بالطنابير وشمخ المغرضون بآنافهم على المغرضين للمصرلية ثم تبين عدم صحة تلك الإشاعة وأن تلك الرأس رأس بعض الأجناد ولم يمسك الألفي كما قالوا.
كان الباشا أرسل بطلبها عوضًا عما تلف فعندما وصلوا إلى جهة باسوس وهناك مركز للمصرلية على جرف عال أقعدوا به ليمنعوا من يمر بالمراكب فضربوا عليهم وضرب من في المراكب الحربية أيضًا على من في البر فكان ضرب من في البر يصيب من في البحر وضربهم لا يصيبهم لعلو الجرف عليهم فاحترقت جبخانة إحدى الشلنبات واحترق ما فيها بها وغرقت الثانية ويقال أن الثالثة لم تكن من المراكب الحربية بل هي مكب معاش وكان حضر في خفارتهم عدة من المراكب المسافرين فخافوا ورجعوا وقبضوا على بعض قواويس بها غلال فأخذوا ما فيها فلما شاع ذلك بالمدينة رفعوا ما كان موجودًا من الغلة بالعرصات وشحت الغلال وعدم الفول والشعير وبيع ربع الويبة من الفول بتسعين نصفًا وقل وجود الخبز من الأسواق وخطف بعض العسكر ما وجدوه من الخبز ببعض الأفران وأخذوا الدقيق من الطواحين وصار بعض العسكر يدخل بعض البيوت ويطلبون منهم الأكل والعليق لدوابهم. وفي يوم الخميس والجمعة اشتد الحال وبيع ربع الويبة من القمح بسبعين نصفًا وثمانين نصفًا وعدم الفول واشترى بعض من وجده ربعًا بمائة نصف فضة فيكون الأردب على ذلك الحساب بألفين وأربعمائة نصف وخرج عساكر كثيرة ووقعت حروب بين الفريقين ورع القبليون إلى طرا وحاربوا عليها وكانوا شرعوا في عمارة ما تهدم من أبراجها ونقلوا إليها الذخيرة والقومانية والجبخانة والعسكر وأخذوا جمال السقائين لنقل الماء إلى الصهريج الذي ببرج طرا ودار الآغا والوالي على المخازن ببولاق ومصر وأخذوا منها ما وجدوه من الغلة وأمروا ببيعه على الناس بخمسين نصفًا الربع وأخذوا لأنفسهم ما وجدوه من الشعير والفول. وفي يوم السبت قلدوا حسن آغانجاتي الحسبة فخافته السوقة واجتهدوا في تكثير العيش والكعك والمأكولات بقدر إمكانهم واجتهد هو أيضًا في الفحص على الغلال المخزونة وبيعها للخبازين وأما اللحم الضاني فإنه انعدم بالكلية لعدم ورود الأغنام. وفيه شح ورود الغلة في العرصات وذهب أناس إلى برانبابة فاشتروا الربع بثمانين نصفًا وأزيد من ذلك والقول بمائة وعشرين وعلق أكثر الناس على بهائمهم ما وجدوه من أصناف الحبوب مثل الحمص والعدس وهم المياسير من الناس وأما غيرهم فاقتصروا على التبن وأما العنب والتين في وقت وفرتهما فلم يظهر منهما إلا القليل وبيع الرطل من العنب بأربعة عشر نصفًا والتين بسبعة أنصاف وذلك بعد سلوك الطريق ومشي السفن. وفي يوم الأحد رابع عشره اجتمعت العساكر الكثيرة للحرب عند شبرا ورموا على بعضهم بالمدافع والقرابين والبنادق من ضحوة النهار ثم التحم الحرب بين الفريقين واشتد الجلاد بينهما إلى بعد منتصف النهار وصبر الفريقان وقتل بينهما عدة كبيرة من العسكر الأرنؤد وطائفة المماليك والعربان فقتل من أكابر العسكر أربعة أو خمسة ودخلوا بهم المدينة وانكف الفئتان وانحاز إلى معسكرهما وبعد هجمة من الليل اجتمع العسكر من الإنكشارية والأرنؤدية وغيرهم وكبسوا على متاريس شبرا وبها حسين بك المعروف بالإفرنجي وعلي بك أيوب ومعهما عسكر من الأرنؤد الذين انضموا إليهما ومنهم الرماة والطبجية فأجلوهم عن المتاريس وملكوها منهم ووقع بينهم قتلى كثيرة وقتل من عسكر حسين بك المذكور نحو مائة وستين نفرًا وعدة من مماليك علي بك أيوب خلاف الجرحى وزحفوا على باقي المتاريس فملكوا منهم متاريس شلقان وباسوس وانهزم المصرلية إلى جهة الشرق بالخانكة وأبي زعبل وقيل أن العسكر المنضمين إليهم المتقيدين بالمتاريس هم الذين خامروا عليهم وانهزموا عن المتاريس حتى كانوا هم السبب في هزيمتهم فلما أصبح النهار حضروا بسبعة رؤوس فيها ثلاثة من الأجناد الملتحين وثلاثة بشوارب ورأس أسود فعلقوها بباب زويلة ومن الثلاثة أجناد رأس له لحية طويلة شائبة شبيهة بلحية إبراهيم بك الكبير فقال بعض الناس هذه رأس إبراهيم بك بلا شك وأشيع ذلك بينهم فاجتمع الناس من كل ناحية للنظر إليه ووصل الخبر إلى الباشا فأحضر عبد الرحمن بك والمزين الذي كان يحلق له لمعرفتهما به وآخرين وطلب الرأس فأحضروها وتأملوها فمنهم من اشتبهت عليه ومنهم من أنكرها لعلامات يعرفها به وهي الصلع وسقوط الأسنان ثم أعيدت إلى مكانها على ذلك الاشتباه ثم أنهم عملوا شنكا ومدافع لذلك ثم طلبها محمد علي أيضًا وفعل مثل ذلك وردها أيضًا ثم رفعوها في الليل واستمر الفرح والشنك يومين والناس بين ناف ومثبت ومسلم ومنكر ومعاند مكابر حتى وردت خدم من معسكرهم وأخبروا بحياة إبراهيم بك وأنه بوطاقه جهة الشرق فزال الشك وأرسل المصريون إلى بيوتهم أوراقًا. وفي ليلة الاثنين المذكور وقع خسوف قمري وطلع من المشرق منخسفًا آخذًا في الانجلاء ومقدار المنخسف منه عشرة أصابع وتم انجلاؤه في ثاني ساعة من الليل وكان بأول برج الدلو. وفي ليلة الخميس وصل أمير أخور الصغير من الديار الرومية وطلع إلى بولاق في صبحها وركب إلى القلعة فأنزله الباشا ببيت رضوان كتخدا إبراهيم بك بدرب الجماميز ولم يعلم ما بيده من الأوامر ثم تبين أن من الأوامر التي معه إخراج خمسمائة من العسكر إلى بندر ينبع البحر يقيمون بها محافظين لها من الوهابيين ويدفع لهم جامكية سنة كاملة وذخيرتها وما يحتاجون إليه من مؤونة وغلال وجبخانة. وفي يوم الثلاثاء قرؤوا تلك الأوامر وفيها أنه تعين محمد باشا أبو مرق بعساكر الشام إلى الحجاز فأحضر الباشا كبار العسكر وعرض عليهم ذلك الأمر وقال لهم أنه ورد لي إذن عام في تقليد من أقلده فمن أحب منكم قلدته أمرية طوخ أو طوخين فامتنعوا من ذلك وقالوا نحن لا نخرج من مصر ولا نتقلد منصبًا خارجًا عنها ووصلت الأخبار في هذه الأيام أن الوهابيين ملكوا الينبع. وفيه وردت الأخبار بأن الألفي عدى إلى البر الشرقي وكان قبل ذلك عدى إلى البر الغربي وانتشرت عساكره إلى الجسر الأسود ثم رجعوا وعدوا إلى البر الشرقي. وفي يوم الأربعاء سابع عشره ركب الأمراء المصرلية وانتقلوا من الخانكة ومروا من خلف الجبل بحملاتهم وأثقالهم وذهبوا إلى جهة قبلي وخاب سعيهم ولم ينالوا غرضهم وكان في ظنهم أنهم إذا حصلوا بالقرب من المدينة خرج إليهم الكثير من العسكر وانضم إليهم لمقدمات سبقت منهم مراسلات وكلام وقع بينهم وبين أتباعهم ومماليكهم المجتمعين عند أكابرهم وذبهم عنهم وعن بيوتهم وحريمهم بل وإخراج بعض الأتباع والمماليك بمطلوبات إلى أسيادهم خفية وليلًا حتى استقر في أذهان كثير من العقلاء ممالآت كثير من البنباشايات ورؤساء العسكر مع المصرلية وعندما تحقق العسكر ذهابهم دخلوا إلى المدينة بأثقالهم وحمولهم وانتشروا بها حتى ملؤا الأزقة والطرق والبيوت وقدمت السفن المعوقة وتواجدت الغلال بالرقع وتخلف عنهم أناس كانوا منضمين إليهم طلبوا أمانًا بعد ذلك وحضروا بعد ذلك إلى مصر وقدمت عساكر ودلاة في المراكب ودخلوا البيوت بمصر وبولاق وأخرجوا منها أهلها وسكنوها وإذا سكنوا دارًا أخربوها وكسروا أخشابها وأحرقوها لوقودهم فإذا صارت خرابًا تركوها وطلبوا غيرها ففعلوا بها كذلك وهذا دأبهم من حين قدومهم إلى مصر حتى عم الخراب سائر النواحي وخصوصًا بيوت الأمراء والأعيان وبواقي دور بركة الفيل وما حولها من بيوت الأكابر والقصور التي كانت يضرب بأدناها المثل وفي ذلك يقول صاحبنا العلامة الشيخ حسن العطار وأما بركة الفيل فقد رميت بكل خطب جليل وأورثت العين بوحشتها بكاء وعويلًا والقلب بذكر ما سلف من مباهجها حزنًا طويلًا. وفي يوم الثلاثاء ثالث عشرينه طلع المشايخ عند الباشا وشفعوا في السيد بدر المقدسي فأطلقه ونزل إلى داره. وفي يوم الخميس خامس عشرينه قلدوا علي آغا الوالي على العسكر المعين إلى الينبع أميرًا وضربوا له مدافع وفرح الناس بعزله من الولاية فإن كان أخبث من تقلد الولاية من العثمنية وكان الباشا يراعي خاطره ولا يقبل فيه شكوى وتعين للسفر معه عدة من العسكر من أخلاط مصر البطالين أروام وخلافهم. وفيه قلدوا مناصب كشوفية الأقاليم لأشخاص من العثمانية. وفي ثامن عشرينه تشاجر شخص من العسكر مع شخص حكيم فرنساوي عند حارة الإفرنج بالموسكي فأراد العسكري قتل الفرنساوي فعاجله الفرنساوي فضربه فقتله وفر هاربًا فاجتمع العسكر وأرادوا نهب الحارة فوصل الخبر إلى محمد علي فركب في الوقت ومنع العسكر من النهب وأغلق باب الحارة وقبض على وكيل قنصل الفرنساوية وأخذه معه وحبسه عنده حتى سكن العسكر. وفي تلك الليلة مر جماعة من العسكر بخط الدرب الأحمر فأرادوا أخذ قنديل من قناديل السوق فقام عليهم الخفير يريد منعهم فذبحوه وأخذوا القنديل فأصبح الناس فرأوا الخفير مذبوحًا وسمعوا القصة من سكان الدور بالخطة ووجدوا أيضًا عسكريًا مقتولًا جهة الموسكي وغير ذلك حوادث كثيرة في كل يوم من أخذ النساء والمردان والأمتعة والمبيعات من غير ثمن وانقضى الشهر. وفيه استقر الأمراء المصرلية جهة صول والبرنبل وما قابلهما من البر الغربي واستمر عثمان بك حسن والبرديسي وأتباعهما بالبر الشرقي وشرعوا في بناء متاريس وقلاع بساحل البحر من الجهتين وأرسل الباشا إلى جهة دمياط ورشيد يطلب عدة مراكب وشلنبات لاستعداد الحروب واجتهد في ملء صهاريج القلعة وطلبوا السقائين وألزموهم بذلك فشح الماء بالمدينة وغلا سعره لذلك ولغلو العليق حتى بلغ ثمن الراوية أربعين نصفًا بعد المشقة في تحصيله لأنه لم يبق إلا الروايا الملاكي لأكابر الناس فيمنعها العطاش عند مرورها قهرًا ويدفعون ثمنها بالزيادة واتفق شدة الحر وتوالى هبوب الرياح الحارة وجفاف الجو وتأخير زيادة النيل. شهر جمادى الأولى سنة 1219 استهل بيوم الثلاثاء في ذلك اليوم كان مولد المشهد الحسيني ونزل الباشا وزار المشهد ودخل عند شيخ السادات باستدعاء وتغدى عنده ثم ركب راجعًا قبل الظهر إلى القلعة ولم يقع في ليالي المولد حظ للناس ولا انشراح صدور كالعادة بسبب أذية العسكر واختلاطهم بهم وتكديرهم عليهم في الحوانيت والأسواق حتى أنهم في آخر الليلة التي كان من عادتهم يسهرونها مع ليال قبلها إلى الصباح أغلقوا الحوانيت وأطفؤا القناديل من بعد أذان العشاء وذهبوا إلى وفيه قرروا فردة غلال على البلاد قمح وشعير وتين أعلى وأوسط وأدنى الأعلى خمسة عشر أردبًا وخمسة عشر حمل تين والأوسط عشرة والأدنى خمسة على أن إقليم القليوبية لم يبق به إلا خمسة وعشرون قرية فيها بعض سكان والباقي خراب ليس فيها ديار ولا نافخ نار ومجموع المطلوب ثمانية آلاف أردب خلاف التين وذلك برسم ترحيلة علي باشا إلى الينبع ثم قرروا فردة كذلك أيضًا وقدرها ألف وخمسمائة كيس رومية. وفي يوم الجمعة رابعه جمع الباشا المشايخ في ديوان خاص بسبب مكتوب حضر من الأمراء المصريين خطابًا للمشايخ مضمونه أنهم يسعون بينهم وبين الباشا فيما يكون فيه الراحة للبلاد والعباد وأنه يخرج هذه العساكر فإنهم إن داموا بالإقليم كملوا خرابه وهتكوه بأفاعيلهم وظلمهم وفسقهم وطلب العلوفات التي لا يفي ببعضها خراج الإقليم وأما نحن فإننا مطيعون السلطنة وخدامون بلا جامكية ولا علوفة وإن لم يفعل ذلك يعطينا جهة قبلي تتعيش فيها وإن أرادوا الرحب فليخرجوا الناس بعيدًا عن الأبنية ويحاربونا في الميدان والله يعطي النصر لمن يشاء إلى آخر ما قالوه فقال الباشا للمشايخ اكتبوا لهم يأخذوا جهة أسنا ومقبلًا فقالوا نحن لا نكتب شيئًا اكتبوا لهم مثل ما تعوفون وانفض المجلس. وفيه عزم جماعة من أكابر العسكر على السفر إلى بلادهم م أحمد بك رفيق محمد علي وصادق آغا وخلافهما وأخذوا في تشهيل أنفسهم وبيع متاعهم ونزلوا إلى بولاق عند عمر آغا ونزل محمد علي لوداعهم ببيت عمر آغا فاجتمع العسكر وأحاطوا بهم ومنعوهم من السفر قائلين لهم أعطونا علوفاتنا المنكسرة وإلا عطلناكم ولا ندعكم تسافرون بأموال مصر ومنهوباتها فأخذوا خواطرهم ووعدوهم على أيام وامتنعوا من السفر. وفي يوم الثلاثاء ثامنه تقلد شخص من العثمانيين الزعامة عوضًا عن علي آغا الذي تولى باشة السفر للينبع. وفي عاشره اجتمع العسكر وطلبوا علوفاتهم من الباشا فدفعوا للأرنؤد جامكية شهر. وفي ليلة الجمعة حادي عشر جمادى الأولى الموافق لثاني عشر مسرى القبطي أوفى النيل المبارك سبعة عشر ذراعًا وكسر سد الخليج في صبح يوم السبت يحضر الباشا والقاضي ومحمد علي وباقي كبار العسكر وجميع العسكر وكان جمعًا مهولًا وضرب الجميع بنادقهم وجرى الماء بالخليج وركبوا القوارب والمراكب ودخلوا فيه وهم يضربون بالبنادق وكذلك من كان منهم بالقواطين والبيوت وكان الموسم خاصًا بهم دون أولاد البلد وخلافهم وكذلك سكنوا بيوت الخليج مع قحابهم من النساء ومات في ذلك اليوم عدة أشخاص نساء ورجالًا أصيبوا من بنادقهم ومما وقع أنه أصيب شخص من أولاد البلد برصاصة منهم ومات وحضر أهله يصرخون وأرادوا أخذه ليواروه فمنعهم الوالي وطلب منهم ثلاثة آلاف درهم فضة ولم يمكنهم من شيله حتى صالحوه على ألف وخمسمائة وكذلك من كان منهم بالقواطين والبيوت أذن لهم في أخذه ومواراته ونظر بعضهم إلى أعلى بيوت الخليج فرأى امرأة جالسة في الطاقة فضربها برصاصة فأصابتها في دماغها وماتت من ساعتها وغير ذلك مما لم تتحقق أخباره. وفي يوم الأحد ثالث عشره خرج علي باشا الوالي المسافر إلى الينبع خارج البلد وأقام جهة العادلية وارتحل يوم السبت تاسع عشره ومعه مائة عسكري لا غير وذهب إلى جهة السويس. وفيه أرسل الباشا إلى المشايخ والوجاقلية وتكلم معهم في توزيع فردة على أهل مصر لغلاق جامكية العسكر فدافعوا بما أمكنهم من المدافعة فقال هذا الذي نطلبه إنما نأخذه على سبيل القرض ثم نرده إليهم فقالوا له لم يبق بأيدي الناس ما يقرضونه ويكفي الناس ما هم فيه من الغلاء ووقف الحال وغير ذلك فالتفت إلى الوجاقلية وقال كيف يكون العمل فقال أيوب كتخدا نعمل جمعية مع السيد أحمد المحروقي ويحصل خير فركن الباشا على ذلك ثم اجتمعوا مع المذكور واتفقوا أنهم يطلبونها بكيفية ليس فيها شناعة ولا بشاعة وهي أنهم قرروا على الوجاقلية قدرًا من الأكياس وكتبوا بها تنابيه بأسماء أشخاص منها ما جعلوا عليه عشرين كيسًا وعشرة وخمسة وأقل وأكثر وكذلك وزعوا على أشخاص من تجار البن وخان الخليلي ومغاربة أغراب وأهل الغورية وخلافهم من تراخي في الدفع قبضوا عليه وأودعوه في أضيق الحبوس ووضعوا الحديد في يديه ورجليه ورقبته ومنهم من يوقفونه على قدميه والجنزير مربوط بالسقف وأرسلوا العسكر إلى بيوتهم فجلسوا بها يأكلون ويسكرون ويطلبون من النساء المصروف خلاف الأكل الذي يطلبونه ويشتهونه وهو ثمن الشراب والدخان والفاكهة بل ويأتون بالقحاب معهم ويضربون بالبندق والرصاص بطول الليل والنهار وأمثال ذلك. وفي يوم الخميس رابع عشرينه أرسل الباشا عسكرًا فقبض على الأمير علي المدني صهر ابن الشيخ الجوهري وحبسه فركب إليه المشايخ وكلموه في شأنه وقالوا أنه رجل وجاقلي من خيار الناس وما السبب في القبض عليه وما ذنبه الموجب لذلك فقال أنه رجل قبيح ولي عليه دعوة شرعية وإذا كان من خيار الناس ومن الوجاقلية لأي شيء يعمل كتخدا عند صالح بك الألافي وأنه عند هروب مخدومه من الشرقية أخذ ما كان معه من المال على أربعة جمال ودخل بها إلى داره وعندي بينة تشهد عليه بذلك فأنا أطالبه بالمال الذي عنده وقاموا ونزلوا من غير طائل. وفي يوم السبت سادس عشرينه توفي الشيخ موسى الشرقاوي الشافعي وكان من أعيان العلماء الشافعية. وفي يوم الاثنين ثامن وعشرينه أحضروا المحمل من السويس فنزل كتخدا الباشا والآغا والوالي وأكابر العسكر وعدة كبيرة من العسكر وعملوا له الموكب وشقوا به البلد وخلفه الطبل والزمر. وفي أواخره وصلت قوافل البن من السويس فحجزها الباشا وأخذها وأعطى أصحاب البن وثائق بثمن البن لأجل ووكل في بيعه وحول به العسكر يأخذونه من أصل علوفاتهم قلبغ ثمن المحجوز تسعمائة كيس وانهمك المشترون على الشراء ومنعوا القبانية من الوزن إلا بحضور المقيدين بذلك وانقضى هذا الشهر وحوادثه وما وقع فيه من عكوسات العسكر من الخطف والقتل والدعواوى الكذب وشهاداتهم الزور لبعضهم فيما يدعونه وتواطئهم على ذلك فيكتب له عرضحال ويشكو أنه غصبه في مدة سابقة قبل ذلك طلق منه زوجته قهرًا بعد أن كان صرف عليها مبلغ دراهم كثيرة في المهر والنفقة والكسوة ويكتبون له عليه علامة الباشا ويأخذ صحبته أشخاصًا معينين من أقرانه فيسحبون المدعي عليه إلى المحكمة فلا يثبت عليه ذلك فيكتب له القاضي إعلامًا بعدم صحة الدعوى بدراهم يدفعها على ذلك الإعلام فيذهبون إلى ديوان الباشا ويخبرون الكتخدا ببطلان الدعوى ويطلعون على الإعلام بحضرة الخصم وهو يظن البراح والخلاص من تلك الدعوة الباطلة فيقول الكتخدا للخصم أعط المباشرين خدمتهم خمسة أكياس واذهب وأمثال ذلك فإن وجد شافعًا أو مغيثًا توسط له أو تشفع في تخفيف ذلك قليلًا أو ضمنه أو دفع عنه وأنقذه وإلا حبس كغيره وذاق في الحبس أنواع العذاب حتى يدفع ما قرره عليه الكتخدا واتفق أن جماعة من سكان المحجر شكو أنظار جامع وسبيل ومدرسة متخربة من أيام الفرنسيس ومعطلة الشعائر والإيراد فأمر الكتخدا بإحضار النظار وهم ناس فقراء وعواجز وسألهم فأخبروا بتعطيل الإيراد فأحضروا مباشرين الأوقاف فحاسبوهم فلم يطلع عليهم شيء فقال الكتخدا أعطوا المباشرين خدمتهم فلما فرغوا من ذلك بعد مشقة عظيمة قالوا هاتوا محصول الخزينة فقالوا وما يكون محصول الخزينة قالوا ثلاثون كيسًا من كل ناظر عشرة أكياس فبهت الجماعة وتحيروا في أمرهم ولم يعلموا ما يقولون وفي الحال جذبوهم إلى الحبس وفيهم رجل من جماعة المشهدية عاجز لا يقدر على القيام فسعى عليه حريمة وخشداشينه وصالحوا عليه بكيسين وخلصوه وأما الاثنان الآخران فاستمرا في الحبس والحديد مدة طويلة وأمثال ذلك. وفي أواخره أفرجوا عن السيد علي المدني بعدما قرروا عليه أربعة آلاف ريال خلاف البراني وأمثال ذلك كثير. شهر جمادى الثانية سنة 1219 استهل بيوم الخميس فيه حضر القاضي الجديد إلى جهة بولاق وركب في يوم الجمعة فطلع إلى القلعة وسلم على الباشا ورجع إلى المحكمة وكان عندما وصل إلى رشيد أرسل إلى الباشا ليأمر له بعمارة المحكمة فأمر الباشا أصحابها بالعمارة وأمرهم بالاجتهاد في ذلك. وفيه فقد اللحم وشح وجوده وكذلك السكر والعسل وأما العسل الأبيض فبلغ الرطل خمسين نصفًا إن وجد لعدم الوارد من ناحية قبلي وقلة المرعى بالجهة البحرية واستقر الألفي الكبير جهة اللاهون وبقية الجماعة جهة المنية وأسيوط وعثمان بك حسن بجبل الطير بالبر الشرقي. وفي خامسه أشيع سفر محمد علي إلى بلاده وكذلك أحمد بك وغيرهم من أكابرهم وشرعوا في بيع جمالهم وبلادهم ومتاعهم وكثر لغط الناس بسبب ذلك وكثر إفساد العساكر وخطفهم وأغلق أهل الأسواق الدكاكين وخاف الناس المرور وتطيروا منهم وخصوصًا الإنكشارية. وفي يوم الثلاثاء سادسه مر محمد علي وخلفه عدة كبيرة من العسكر وهو ماش على أقدامه وكذلك حسن بك أخو طاهر باشا وعابدي بك وآغات الإنكشارية والوالي وجلس منهم جماعة جهة الغورية وخان الخليلي ساعة ثم ذهبوا وكأنهم يطمنون الناس وأمام بعضهم المناداة بالتركي بالأمن والأمان وفتح الدكاكين وكل من تعرض لكم اقتلوه وفي أثر مرورهم وقع الخطف والتعرية. وفي ذلك اليوم أواخر النهار مت مركبان فيهما عسكر أرنؤد بالخليج المرخم ومعهم امرأة وبتلك الجهة عسكر إنكشارية ساكنون ببيت المجنون فضربوا عليهم رصاصًا من الشبابيك فقتل منهم جماعة وهرب من نجا أو عرف العوم فتحزب الأرنؤد وجاء منهم طائفة لذلم البيت فلم يجدوا به أحدًا فأرسل محمد علي إلى حسن بك وتكلم معه في شأن ذلك. وفي صبحها يوم الأربعاء قتلوا ثلاثة وقيل خمسة ناحية الموسكي يقال أنه بسبب تلك الحادثة وقيل بسبب آخر. وفيه سافر جماعة من العسكر وأخذوا المراكب وأرسلوا إلى سكندرية ودمياط ورشيد وغيرها بطلب المراكب فشحت المراكب ووقف حال المسافرين وتعطلوا عن الرواح والمجيء وغلا سعر القمح والسمن وعدم اللحم وكذلك باقي الأسباب والمأكولات زيادة عن الواقع وإذا وصلت مراكب نزل في المراكب الكبيرة الخمسة أنفار أو العشرة والحال أنها تسع المائة وساروا ينهبون في طريقهم ما يصادفونه من المسافرين ويقتلونهم ويطلبون من البلاد الكلف والمأكل وغير ذلك. وفي يوم السبت سابع عشره سافر أحمد بك وعلي بك أخو طاهر باشا. وفيه قلد الباشا سلحداره ولاية جرجا وبرز خيامه جهة دير العدوية. وفي يوم الخميس ثاني عشرينه وصلت مراكب من الشلنبات الحربية فضربوا لها مدافع من وفي يوم الأحد تعدى جماعة من العسكر وخطفوا عمائم الناس واتفق أن الشيخ إبراهيم السجيني مر من جهة الداودية وهو راكب بهيئته فأخذوا طيلسانه من على كتفه وعمامة تابعه وقتلوا من بعضهم أنفارًا. وفي يوم الاثنين نزل الآغا ونادى على العسكر بالخروج والسفر إلى التجريدة وكل من كان مسافر إلى بلاده فليسافر. وفيه هربت زوجة عثمان بك البرديسي مع العرب إلى زوجها بقبلي فلما بلغ الخبر الباشا أحضر أخاها والمحروقي وسألهما عنها فقالا لم نعلم بهروبها فعوق أخاها عنده ثم أطلقه بشفاعة المحروقي. شهر رجب الفرد سنة 1219 استهل بيوم السبت فيه انتقل العسكر المسافرون من دير العدوية إلى ناحية طرا وسافر قبل ذلك بأيام كاشف بني سويف ويقال له محمد أفندي. وفي يومي الاثنين والثلاثاء نادى الآغاوات التبديل بخروج العسكر المسافرين وكثر أذى العسكر للناس وخطفوا الحمير وتعطلت أشغال الناس في السعي إلى مصالحهم ونقل بضائعهم. وفي يوم الأربعاء سافرت التجريدة برًا وبحرًا وتأخر محمد علي عن السفر إلى بلاده كما كان أشيع ذلك واشتهر أنه مسافر إلى جهة قبلي وورد الخبر باستقرار كاشف بني سويف بها ولم يكن بها أحد من المصرلية. وفي يوم الأحد تاسعه نزل الباشا إلى وليمة عرس مدعوًا ببيت السيد محمد بن الدواخلي بحارة الجعيدية وكفر الطماعين ونزل في حال مروره ببيت السيد عمر أفندي نقيب الأشراف فجلس عنده ساعة وقدم له حصانين. وفي حادي عشره نزل الباشا في التبديل ومر من سوق السمكرية فرأى عسكريًا يشتري كوز صفيح فأعطاه خمسة أنصاف فأبى السمكري إلا بعشرة فأبى ولم يدفع له إلا خمسة فرآه الباشا فقال له أعطه ثمنه فقال له وإيش علاقتك وهو لم يعرفه فقال له أما تخاف من الباشا فقال الباشا على زبي فضربه الباشا وقتله ومضى. وفي يوم الاثنين سابع عشره أحضروا أربعة رؤس وضعوها تجاه باب زويلة وأشاعوا أنهم من مقتلة وقعت بينهم وبين القبالى وأشاعوا أنه بعد يومين تصل رؤس كثيرة ووصل أيضًا جملة أسرى طلعوا بهم إلى القلعة. وفي يوم الأربعاء طلع محمد علي إلى القلعة فخلع عليه الباشا فروة سمور على سفره إلى قبلي وفي يوم الأربعاء سادس عشرينه اتهموا قادري آغا بأنه يكاتب الأمراء المصرلية القبالى ومنعوه من السفر إلى قبلي وأمروه بأن يسافر إلى بلاده فركب في عسكره وذهب إلى بولاق وفتح وكالة علي بك الجديدة ودخل فيها بعسكره وامتنع بها وانضم إليه كثير من العسكر فحضر إليه محمد علي وكلمهم وكذلك حضر إليهم الباشا ببولاق فلم يمتثلوا وقالوا لا نسافر ولا نذهب إلا بمرادنا وأعطونا المنكسر من علوفاتنا فتركوهم ونادوا على خبازين بولاق لا يبيعون عليهم الخبز ولا المأكولات فأرسل قادري آغا إلى المحتسب وقال له نحن نأخذ العيش بثمنه فإن منعتموه من الأسواق طلعنا إلى البيوت وأخذنا ما فيها من الخبز ويترتب على ذلك ما يترتب من الإفساد فأخبروا الباشا بذلك فأطلقوا لهم بيع الخبز وغيره واستمر على ذلك أيامًا. وفيه شرعوا في تحرير فردة على البلاد وكتبوا دفاترها إلا على ثمانون ألف فضة ودون ذلك ويتبعها على كل بلد جملان وسمن وأغنام وقمح وتبن وشعير. وفي أواخره حصلت نوة وتتابع مرور الغيوم وحصل رعد هائل ودخل الليل فكثر الرعد والبرق وتبعه المطر ثم حضر أناس بعد أيام من جهة شرقية بلبيس وأخبروا أنه نزل بناحية مشتول صواعق أهلكت نحو العشرين من بني آدم وأبقارًا وأغنامًا وعميت أعين أشخاص من الناس. وفي هذا الشهر شرعوا في عمل كسوة الكعبة بيد السيد أحمد المحروقي فقيد بها وكيله بذلك
|